أحد الابن الشاطر

القراءات:

٢ قورنتس ١٣: ٥-١٣؛ لوقا ١٥: ١١-٣٢

“وأسرع فألقى بنفسه على عُنُقِه وقبّله طويلًا” (لو ١٥: ٢٠)

 

تدعونا الكنيسة المارونيّة في الأحد الرّابع من الصّوم إلى أن نتأمّل في إنجيل “مثل الابن الشّاطر”. تُذكّرنا هذه القصّة بذواتنا وبنوعيّة علاقتنا بالله. فأحيانًا نُشبه الابن الشّاطر وأحيانًا أُخرى الابن الأكبر. والمسيح من خلال هذا المثل يُريد أن يُفهمنا حقيقة معاملة الله الآب لأولاده حتّى وإنْ كانوا خاطئين. سوف نتأمّل بثلاث شخصيّات: الابن الأصغر، الوالد، والابن الأكبر.

١. الابن الأصغر

من صفات الابن الأصغر انه كان ثائرًا عن غير حق. فهو يُطالب بما لا يحقّ له. أراد أن يَرِث والده الّذي لا يزال على قيد الحياة. لقد سئم الحياة البيتيّة وذهب يبحث عن الحريّة بعيدًا عن البيت الوالدي. طلب الغنى فوجد نفسه فقيرًا؛ طلب الحريّة فوجد نفسه عبدًا لرجل غريب. وما كان عليه إلَّا العودة إلى نفسه الّتي أصبحت ملجأه الوحيد. فنَدِم وعبّر عن ذلك بفعل توبة، وعاد إلى أبيه وإلى البيت الوالدي الّذي يرمز أيضًا إلى الكنيسة.

٢. الوالد

  إنّ الصّفة الّتي تحلّى بها الأب، هي صفة المحبّة. لقد لبّى طلب الابن الأصغر غير المحقّ بصمت ومن دون حقد. وطوال فترة غيابه وضياعه، كان ينتظر برجاء عودة ابنه، لذلك استطاع أن يراه “فيما كان لا يزال بعيدًا، فتحنّن عليه وأسرع فألقى بنفسه على عُنُقِه وقبّله طويلًا” (لو ١٥: ٢٠). يا لها من محبّة عظيمة! إنّ إسراع الأب يشبه إسراع من يبحث عن شفاء ما، وكأنّ عودة الابن تشفي جرح الأب من غياب وَلَدِه! من يُحب، لا ينظر إلى إساءات الآخر له، بل ينظر أكثر إلى الشقاء والجراحات الّتي يمر بها هذا الآخر، فيغفر له.

٣. الابن الأكبر

إنّ الصّفتَيْن الّلتين يتّصف بهما هذا الابن هما الأنانيّة والكبرياء؛ وكل ما يقوم به ويفعله ليس سوى تصرّفات ومظاهر خارجيّة. فطاعته لأبيه لم تكن سوى طاعة العبد والأجير. لم يُشفق على أخيه لأنّه لم يذق طعم الشّقاء، ولم يفهم رأفة أبيه لأنّه كان يهتمُّ لأمر الميراث وليس لأمر العائلة. عاش هذا الابن في بيت أبيه ولكّنه ظلّ بعيدًا عنه بأفكاره. كرّمه بشفتيه ولكّن قلبه كان بعيدًا عنه.

صلاة

علّمنا يا ربّ ألَّا نعامل بعضنا بعضًا بمعيار العدالة فقط، بل بمعيار الرّحمة. علمّنا أن نتصالح مع ذاتنا ومعك ومع إخوتنا وأخواتنا. علّمنا أن ننمّي فينا شعور التّحنّن مثل الأب، لكي نُشفق على بعضنا البعض ويسامح أحدنا الآخر، أنت يا رحوم يا غفور يا محبّ البشر إرحمنا.