أحد النسبة

القراءات:

 روما ١: ١-١٢؛ متى ١: ١-١٧

لا ينظر المؤمن إلى التاريخ على أنّه مجرّد أحداث يتحكّم بها الإنسان وحده. فتاريخ الإنسانيّة، كتاريخ كلّ إنسان، مطبوعٌ بحضور الله وعمله وتدخّله. التاريخ، بنظر المؤمن، هو تاريخ خلاصٍ، أي أنّه أوسع وأكبر من أن يخضع لعبثيّة الإنسان. هذه النظرة إلى التاريخ تأتي من اليقين بأنّ الله لم يخلق الإنسان ليتركه إلى مصيرٍ مجهولٍ، بل خلقه، على صورته كمثاله، ليكون شريكًا له. انطلاقًا من هذا الاختبار الحقيقيّ، يبني المؤمن رجاءه على أنَّ “جميع الأشياء تعمل لخير الذين يُحبُّون الله” (رو ٨: ٢٨).

لا يقتصر حضور الله في تاريخ الإنسان على أحداث يحقّقها بتدخّله. بل إنّ المسيح دخل التاريخ وأخذ على عاتقه إنسانيَّتنا. أراد المسيح، بتجسُّده، أن يصير ابنًا في سلالة بشريّة تشمل الجميع، من كلّ عرْقٍ ولون، من كلِّ جنسٍ وصوب. فالتجسّد هو اكتمالٌ لحضور الله في الماضي، وهو تأكيدٌ على حضوره الدائم في الحاضر وفي المستقبل. وإذا كنّا نحن، في الظاهر، نصنع الأحداث والتاريخ، فإنّ المسيح يحمله ويُجمِّله ويسكب فيه من غنى لاهوته.

هذا الإيمان الذي نحمله في قلوبنا يُحاكي الواقع القاسي الذي نعيشه. فالميلاد يضع في قلوبنا بلسمًا من الرجاء، بأنّ المسيح معنا. هو “عمانوئيل” الحاضر في أيّامنا الصعبة وظروفنا القاسيَة. حضوره يُغيِّرُنا فنصبح بدورنا بذورَ فرحٍ ورجاءٍ في العالم الذي نعيش فيه. فانتماء يسوع إلى بشريّتنا يغذّي فينا إرادة التجذُّر في واقع الإنسانيّة، لنحملَ على عاتقنا نقائصنا وهمومنا ونحقِّقَ من خلالها حضور الله وعمله.