أحد وجود الرّب في الهيكل

القراءات

عبرانيين ٧: ١١-١٩؛ لوقا ٢: ٤١-٥٢

“لماذا تَطْلُبانني؟ أَلا تَعْلَمان أَنَّه يجبُ عليَّ أَنْ أَكونَ في ما هو لأَبي؟” (لو ٢: ٤٩)

تَحْتفِلُ الكنيسةُ اليَوْم في أَحدِ وُجودِ الرَّبّ يسوع في الهَيْكَل. وهو حَدَثٌ يَتَفَرَّدُ بِهِ الإنْجيليُّ لوقا والّذي مِنْ خِلالِهِ نَتَعرَّفُ على مَدَى الْتِزامِ العائلةِ المُقَدَّسة بالعاداتِ والتَّقاليد والشّريعة. ولكنَّ الأَمْرَ المُمَيَّزَ عِنْدَ القدّيس لوقا أَنَّه يَبْدأُ ويُنْهي إنجيلَه واضِعًا يسوع بين يدَيّ الآب. فأُولى كلمات يسوع كانَتْ “علَيَّ أَنْ أَكونَ في ما هو لأَبي”، وآخِرُها “يا أَبَتاه، بَيْنَ يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ روحي” (لو ٢٣: ٤٦).

سَوْفَ نتحدَّثُ في هذا الأَحَدِ عَنْ ثَلاث أَفْكار نابِعَةٍ مِنْ تأَمُّلِنا بهذا الإنْجيلِ وهي: طاعةُ يسوع لأَبيه – طاعتُهُ لوالدَيْه – دَوْرُ الوالِدَيْن.

١. طاعة يسوع لأبيه

حيثُ لَمْ يُطع آدم، أَتَى المسيح، آدمُ الجَديد، وأَطاعَ حتَّى المَوْت، المَوْت على الصَّليب. وتُعبِّرُ الآيَةُ مِنَ الرّسالةِ إلى العِبْرانيّين على جَوابِ طاعَةِ المَسيحِ الذّي يَجِبُ عَلَيْه، وبِكامِلِ حريَّتِه، أَنْ يكونَ في ما هو لأَبيه بهذا القَوْل: “ها أَنا أَجِيءُ يا الله لأَعمَلَ مَشِيئَتَكَ، كما هو مَكْتُوبٌ عَنِّي في الكِتَابِ (عب ١٠: ٧). وهذه الطّاعةُ للآبِ لا بُدَّ لها أَنْ تتَجَلَّى بالطَّاعةِ لوَصِيَّةِ “أَكْرِمْ أَباكَ وأُمَّك”.

٢. طاعة يسوع لوالدَيْه

لمْ يَكُنْ يسوع طائعًا فقط لأَبيهِ السَّماويّ بَلْ لِمَرْيَم ويوسف أَيْضًا. فإنَّه، وكما يقولُ القدّيس بولس “وهو في صورةِ الله، ما اعْتبرَ مساواتَه لله غنيمةً له، بل أَخْلى ذاتَه واتَّخذَ صورةَ العَبْد… وظَهَرَ في صورةِ الإنْسان، تواضَعَ وأَطاعَ حتَّى المَوْت…” (فل ٢: ٦-٨). ونجدُه اليَوْم مُطيعًا لوالدَيْه، فبَعْدَما بَحثا عَنْه ووَجَداهُ في الهَيْكَل، وبَعْدَما “لم يَفْهَما مَعْنى كلامِه. رجعَ يسوعُ مَعَهما إلى النّاصرة، وكانَ مُطيعًا لهما” (لو ٢: ٥٠-٥١). هذه الطَّاعةُ ناتجةٌ بالتَّأْكيدِ عن التَّرْبِيَةِ الصَّالِحَة.

٣. دور الوالدَيْن

إنَّ دَوْرَ اهْتمامِ يوسف ومريم بِيَسوع وكَيْفَ بَحَثا عَنْهُ، يَجْعَلُهُما مِثالًا لكُلِّ عائلةٍ في تربِيَةِ أَوْلادِهِم والاهْتِمام بِهِم. وقد وَضَعَتْ مُنَظَّمةُ الأُمَمِ المُتَّحِدَة اتّفاقِيَّةً تتحدَّثُ فيها عَنْ حُقوقِ الطّفْلِ، ونحن اليَوْم بأَمَسِّ الحاجَةِ للعَوْدةِ إلَيْها، لأَنَّها تُلقي الضوْء على “مَسْؤوليَّةِ الوالدَيْن في تَرْبِيَةِ أَبْنائِهِم، وعلى واجِبِ الدَّوْلةِ في مساعدتِهِم على القِيامِ بهذه المسؤوليَّة… وعلى الدَّوْلةِ أَنْ تساعدَ الأَهْل على إعالتِهِم وكِسائِهِم وإيوائِهِم… وللوَلَدِ حقٌّ في التَّعْليمِ واكْتِسابِ المَعْرفَة… والهَدَفُ مِنَ التَّرْبيَةِ مساعدةُ الولدِ على نموّ شخصيّته، وتلقين احترام حقوق الإنسان والحريَّات الأَساسيَّة… وتذكِّرُ هذه الاتفاقيَّةُ بحقِّ الوَلدِ في الرَّاحَةِ واللَّعِبِ واللَّهو وفقًا لمُقْتَضيات سِنِّه”.

صلاة

فيا ربّ نرفَعُ صلاتَنا إلَيْكَ ونَطلُبُ مِنْكَ فضيلةَ الطّاعَةِ لك أَوَّلًا، ثمَّ لوالدَيْنا. ومع القدّيس بولس نوصي “أَيُّها الأَبْناء، أَطيعوا والديكم في الرّبّ، فهذا عَيْنُ الصَّواب… وأنتم أيُّها الآباء، لا تُثيروا غَضَبَ أبنائِكم، بل ربّوهم حسب وَصايا الرَّبّ وتأْديبه” (أف ٦: ١، ٤)، له المجد إلى الأبد، آمين.