الأحد الأوّل بعد الدنح: إعتلان سرّ المسيح ليوحنا المعمدان

القراءات:

٢ قورنتس ١٠: ١-١١؛ يوحنا ١: ٢٩-٣٤

“وأنا رأيْتُ وشَهدْتُ أَنَّ هذا هو ابْنُ الله” (يو ١: ٣٤)

نتأَمَّلُ في هذا الأَحدِ في إعْلانِ يوحنَّا المَعْمَدان لِتَلاميذِه عَن اكْتشافِهِ للمسيحِ المُنْتَظَر “ها هو حَمَلُ الله الّذي يَرْفعُ خطيئةَ العالَم” (يو ١: ٢٩). إنَّ شخصيَّةَ المعمدانِ هي شخصيَّةٌ مميَّزَةٌ في الكتابِ المقدَّسِ وهو الّذي قالَ فيه المسيحُ نَفْسه “لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ” (مت 11: 11). فلذلِكَ سَوْفَ نتحدَّثُ عنْ ثلاثِ حقائِقَ عاشَها يوحنَّا المعمدان.

لقد رأى الحقيقة

يتحدَّثُ المعمدانُ عَنْ أَمْرٍ رآهُ بعَيْنَيْه ولَمَسَهُ بيَدَيْه وسَمِعَهُ بأُذُنَيْه: “رأَيْتُ الرّوحَ القُدُسَ نازلًا كحمامَةٍ مِنَ السَّماء، ثمَّ اسْتقرَّ علَيه” (يو ١: ٣٢). يعترف أنّه لم يكن يعرفه. فعلى الرُّغم من القرابة بينهما، لم يكن المعمدانُ يعرف أنّ قريبَه هو المسيحُ المنتظَر، فقال: “ما كنتُ أعرفُه، ولكنَّ الّذي أَرْسلَني لأُعمِّدَ بالماء، قالَ لي: الّذي ترى الرّوح ينزلُ ويستقرُّ عليْهِ هو الّذي سيُعمِّدُ بالرّوح القدس” (يو ١: ٣٣)، فشَهِدَ بذلك للحقيقة.

لقد شَهِدَ للحقيقة

لقد قالَ المعمدان “وأنا رأَيْتُ وشَهدْتُ أنَّ هذا هو ابنُ الله” (يو ١: ٣٤). لم يكتفِ يوحنَّا بالرُّؤْيا، بل كان شاهدًا لها. هو الّذي سَمِعَ بأُذُنَيْه صَوْتَ الآبِ يقولُ عن المسيحِ وَقْتَ العماد “أنتَ هو ابْني الحبيب، بكَ رَضيت” (لو ٣: ٢٢). وعندما يُصْغي الإنسانُ بنفسِه لإلْهاماتِ الرّوحِ القدس وللكلمةِ ولصَوْتِ الآب، فلا يمكِنُ لهذا الإنسانِ إلَّا أَنْ يشهدَ لهذه الحقيقةِ الّتي أَحبَّتْه، فتجَسَّدَتْ، وأَحَبَّها.

لقد أحبَّ الحقيقة

لقد أحبَّ المعمدان الحقيقةَ وعاشَ مقتضياتها. لا يكفي أَنْ نعرفَ الله، بل علَيْنا أَنْ نعملَ أيضًا أعمالًا تَليقُ بنا نحن أبناءَه، كما أنَّنا مدعوّون إلى أنْ نكون أصدقاءه. وهكذا كان يوحنّا “صديقَ العريس” الّذي يفرحُ لسماعِ صَوْتِه. فكان بدَوْرِهِ صوتَ الضَّميرِ الّذي أَزْعَجَ هيروديّة وأَنَّبَ ضميرَ هيرودوس قائلًا له بكلِّ جرْأَة “لا يحلُّ لك أَنْ تأخذَ امرأةَ أخيك” (مر ٦: ١٨). فقُطِعَ رأْسُه ولمْ يتردَّدْ في قَوْلِ الحقيقةِ وإعْلانِها. وبذلك فهو يذكِّرُنا بالقدّيسِ بولس الّذي قال: “حسبْتُ كلَّ شيءٍ خسرانًا لأَرْبحَ المسيحَ وأوجدَ فيه” (فل ٣: ٨-٩).

صلاة

علِّمْنا يا ربّ أَنْ نكونَ مِثْلَ يوحنَّا المعمدان، فنحبّ الحقيقةَ ونسعى لأَنْ نعيشَ فيها ومِنْها حتّى نَشْهد لها، لكَ المجدُ إلى الأبد، آمين.