الأحد الثالث من زمن العنصرة – الروح يُعلّم

القراءات:

١ قورنتس ٢: ١-١٠؛ يوحنا ١٤: ٢١-٢٧

يُحدّد لنا يسوع ماهيّة الإيمان على أنّها علاقة المحبّة التي تربط الإنسان بالله. بهذا نفهم أنّ أولى خطوات المسيرة نحو الله ومعه تكمن في استعداد كلّ واحد منّا لكسر قيود الانغلاق والانعزال، وبالتالي الانفتاح على الله الحاضر في حياتنا. وفي الإيمان، كما في كلّ علاقةٍ بين شخصين، هناك التفاعل الدائم الذي يحرّك فينا القدرة على التغيير والتقدّم. ولأنّ الإيمان هو علاقة قائمة على المحبّة بين الإنسان والله، فإنّ المحبّة هي نفسها تزرع فينا قدرة الانفتاح على حضور الله، وفي الوقت عينه جهوزيَّة التفاعل مع حقيقة الله الذي هو محبّة في ذاته. فالمحبّة هي بداية الإيمان وهي تفاصيل مسيرته وجهته النهائيَّة.

بقدر ما في الإيمان من انفتاحٍ على يسوع، بقدر ما فيه من ولوجٍ إلى سرّ الله الثالوث. لهذا يقول لنا يسوع “من يُحبّني يُحبُّهُ أبي” (يو ١٤: ٢١). فالمحبّة الحقيقيَّة التي تربطنا بيسوع تأخذنا دائمًا إلى أبعد، لا بل إلى أعمق، أيّ إلى معرفة أبوّة الله لنا، وبالتالي بنوّتنا له. فيسوع يُدخلنا، بفعل محبّته لنا، إلى صلب علاقته مع الآب. وفي الوقت ذاته، يحمل يسوع سرّ الله إلى عالم الإنسان، ليصير قلب المؤمن هو “مسكن الله” (يو ١٤: ٢٣)، أي مكان حضوره الفاعل، وبهذا نرى كيف أنّ الإيمان هو حركة ديناميكيّة. بالإيمان يرتقي الإنسان، من خلال يسوع، ليسموَ إلى عالم الله. وبالإيمان أيضًا يدخل الله في ضعَة حياتنا الإنسانيّة.

هذا الإيمان، الذي هو علاقة محبّة، يظهر جليًّا في حياة المؤمن من خلال الطاعة لوصيّة يسوع التي هي كلمته. فالطاعة هي إصغاءُ العقل للحقيقة التي يحملها لنا يسوع في شخصه، أي في حياته وكلمته. وهي جهوزيَّة القلب لاستقبال النعمة التي تجعلنا قادرين على عيش المحبّة والغفران. وهي طواعيَّة الجسد كي يتحوّل إلى مكان تتجلّى فيه محبّة الله ومحبّتنا. هذه الطاعة غير مُمكنة إلاّ بقوّة الروح القدس – البرقليط الذي يرسله يسوع لنجدتنا. فهو، أي الروح القدس، يثبّت خطانا في صيرورة الزمن، ليبقيَنا ثابتين في الطاعة للكلمة. الروح يسكب فينا حقيقة الله، فهو “يسبر كلّ شيء حتّى أعماق الله” (١ قور ٢: ١٠).