الأحد الثاني بعد الدنح: إعتلان سرّ المسيح للرسل

القراءات:

٢ قورنتس ٤: ٥-١٥؛ يوحنا ١: ٣٥-٤٢

“وسَمِعَ التّلميذان كلامَه، فتبِعا يسوع” (يو ١: ٣٧)

بعد أَنْ تأمَّلْنا في زمَنِ الميلادِ بالظُّهورِ الإلهي وحدثِ التجسُّد، ثمَّ بظُهورِه لإسرائيل منْ خلالِ حدثِ العماد على نهر الأردن، نرى اليومَ الظّهورَ الثَّالث الّذي يكشفُ فيه المسيحُ عن نفسِهِ لتلاميذِه الأوائل في إنجيلِ يوحنَّا. سَوْفَ نتأمَّلُ اليوم بثلاثة أمورٍ تُنَمّي فينا الرّغبةَ أكثر في اتِّباعِ المسيح، كما تَبِعَهُ تلاميذُ المعمدان بعدَ أَنْ شَهِدَ له، أَنَّه ليس المسيح وأَنَّ “علَيْه (يسوع) أَنْ يَزيد، وعليَّ أَنْ أَنْقص”.

١. الإنسانُ يُحدّقُ إلى الله “ورأى يسوع مارًّا فحدَّقَ إليه”

إنَّ تَحْديقَ المعمدان إلى المسيح بعد أَنْ رآه، هو رغبةٌ مَنْقوشَةٌ في قلبِ كلِّ إنسانٍ ودعوةٌ لنا جميعًا إلى أَلَّا يُعيقَنا شيءٌ عن اتِّباعِ المسيح. وسؤالُ تلميذَي يوحنَّا للمسيح “أيْنَ تُقيم” يُعبّرُ عن هذه الرّغبةِ في البَحْثِ عن الله من أَجْلِ الإقامةِ معه ومعرفتِه بالاختبار الشَّخصي.

٢. الله يسألُ الإنسان “ماذا تطلبان”

إنّ الله يُجيبُ الإنسان، الّذي يبحث عنه بصِدْق، عن رغباتِ قلبِه. ونَجِدُ ردَّ المعلّمِ عن سؤالِ التّلميذيْن: “تعالَيا وانْظُرا”. إنَّها أولى كلماتِ يسوع في إنجيلِ يوحنا. فالله بالحقيقة لا يُعْطينا فقط أجْوِبةً معلَّبَة، بل يَطرحُ علَيْنا أيضًا أسئلةً مفتوحة. أسئلة تزيدُ فينا رغبةَ البحثِ عنه، حتّى نكتشفَ بالإقامةِ معه أنَّه بالحقيقة “حملُ الله”. “ماذا تطلبان؟” إنّه سؤالٌ جوهريّ، يسألُه يسوع لكلِّ مَنْ يسيرُ وراءَه ويحدِّقُ إلَيْه.

٣. الله يحدّقُ إلى الإنسان “فحدَّقَ يسوع إلَيْه”

ليسَ الإنسانُ وحده مَنْ يُحدّقُ إلى الله، بل الله أيضًا يحدِّقُ بدَوْرِه إلى الإنسان، إلى جَبْلةِ يَدَيْه، إلى الّذي خَلَقَهُ على صورتِهِ ومِثالِه. نعم، في المسيحيَّة ليسَ فقط الإنسانُ مَنْ يبحثُ عن الله، فالله، إله الرّحمة والمحبّة المتجسّدة، يبحثُ هو أيضًا عن الإنسان الّذي أحبَّه، فتجسّد لأجله ومات حبًّا به على الصّليب ليُخلّصَه ويُعْطِيَه الحياة.

صلاة

فيا ربُّ، زِدْنا رَغْبةً في البَحْثِ عَنْك، ودَهْشةً في لقائِكَ. وعندما نَجدُكَ تَبْحثُ عنَّا لتَغفرَ خطايانا، وتغمرَنا كما غمرَ الأبُ “الابنَ الشّاطر”، فتخلقَنا من جديد بفَضْلِ أسرارِك المقدَّسة. علِّمْنا أَنْ نحدِّقَ إليكَ ونَتوقَ إلى التَّفْتيشِ عنك. ومع القدّيس أنسلموس أقول: “سأجدُكَ بحُبّي لكَ، وسأحبُّكَ يَوْمَ أجِدُك”، آمين.