الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة – مرتا ومريم

القراءات:  

لوقا ١٠: ٢٨ – ٤٢؛ ١ تسالونيكي ٢: ١ – ١٣

مرتا ومريم، شخصيّتان تبرزان في محطّاتٍ متنوّعةٍ من الإنجيل، وقد ارتبط اسماهُما على الأخصّ بحادثة إقامة أخيهما لعازر من الموت. ها هما في هذا الإنجيل تستقبلان يسوع، كلٌّ منهما على طريقتها، وهما بذلك تجسّدان الشِقَّين الرئيسيَّين لحياة كلّ تلميذ: الخدمة والعمل من جهة، والصلاة والتأمّل من جهةٍ أخرى. فأيُّهما هو الأكثر إلحاحًا؟ وأيّ واحد يؤدّي إلى النصيب الأفضل؟

علينا أن نتذكّر، قبل كلّ شيء أنّ الخدمة مكوِّنٌ أساسيٌّ في حياة التلميذ الحقيقيّ ليسوع. عندما غرق التلاميذ في جدالٍ حول من هو الأكبر، أتى جواب يسوع: “ليكُنْ الأعظم فيكم كالأصغر، والرئيس كالخادم.” (لو ٢٢: ٢٦) وتابع يسوع وقال: “أنا في وسطكم كالخادم.” (لو ٢٢: ٢٧) لقد كان يسوع الخادم الأعظم بين تلاميذه، ولا ريب في أنّ خدمته هذه تألّقت في الليلة الأخيرة، عندما راح يغسل أرجلهم.

إنْ كانت الخدمة هي الّتي تجعل منّا تلاميذَ ليسوع، فأين يكمن النقص إذًا عند مرتا؟ وهل كانت تستحقّ فعلًا هذا اللَّوْم: “إنّك تهتمّين بأمورٍ كثيرة وتضطربين!” (لو 10: 41) بالحقيقة، كانت مرتا مضطربةً في خدمتها لأنّها كانت تعيشها بحسب منطق الإنتاجيّة الماديَّة الملموسة، لذلك، فإنّ أختها الجالسة “عند قدمَي الربّ تسمع كلامه” (لو ١٠: ٣٩)، كانت بالنسبة إليها غارقةً في مضيعةٍ للوقت. فمِنَ الاضطراب والانهماك وُلِدَ التذمّر والتشكّي: “أما تبالي بأنّ أختي تركتني أخدم وحدي؟” (لو ١٠: ٤٠)

لقد اختارت مريم النصيب الأفضل، لأنّ التلميذ قبل كلّ شيءٍ، هو من يتبنّى وضعيّة الاصغاء إلى كلام الربّ. غير أنَّ هذا لا يسمح له أبدًا بأن يُهمل خدمة المحبّة، بل على العكس تمامًا! إنّ الوقت الّذي يكرّسه للتأمّل والاختلاء بالكلمة، هو الّذي يجعل خدمته تحمل الثمار الحقيقيّة، فيستطيبها قلب الربّ. فمريم هذه، هي الّتي قبَيل آلام يسوع، دهنَت رجلَيه بالطّيب إعدادًا لدفنه، فاستحقّت بذلك دفاع يسوع عنها عندما بدأ الحاضرون يتذمّرون من فعلتها هذه!

تعالَوا يا إخوتي نطرح على ذواتنا السؤال: ما هو النصيب الأفضل الّذي لن يُنزَع منّا في قلب عالمٍ تتفاعل فيه الأزمات يومًا بعد يوم، وتتوالد الهموم فتُثقِل نفوسنا؟ لنتذكّر ساعتئذٍ أنّ كلّ همٍّ، مهما عَظُمَ، يبقى باهتًا أمام الهمّ الأوّليّ، ألا وهو خلاص النفس. ساعِدْنا إذًا يا ربّ أن نتمسّك بكلمتك، فنجعلها منارتنا الّتي لا تنطفئ في حياةٍ يهدّدها الهلاك كلّ حين. آمين.