السينودس نمط حياة

الخوري اوغسطينس الحلو

يَختار كُلُّ إِنسانٍ طريقة ونمط عيشه ويرسم لها حدودًا، فينفتح على البعض وينغلق على البعض الآخر. كُلُّ جماعة – تسير معًا – لها نظامها وأهدافها وطريقة نموّها الروحيَّة والإنسانيَّة وهي مؤلَّفة من رفاق يسيرون معًا، وتبقى محصورة بمجموعة من الناس. حتّى انَّ الكنيسة ليست بعيدة عن هذه الأمور، إلى أن أُطلق سينودس “السَّيْر معًا” الذي أتى لتصويب المسير والرؤية، ولتجديد نمط عَيْش الكنيسة في ما بينها ومع العالم، لذلك إنَّ العمل الذي تقوم به الكنيسة من تفكير عميق ولقاءات وأفكار لا يصبّ في خانة السَّيْر معًا فقط، بل في العيش معًا وتحمُّل المسؤوليَّة معًا والنموّ معًا. وما نعمله اليوم ما هو إلَّا مرآة، واجب جَماعيّ وكنسيّ لِما ستصبح عليه الكنيسة في المستقبل القريب.

عيش الشركة

بما أنَّنا نؤمن ونشكّل جسد المسيح السرّي الذي هو الرأس ونحن الأعضاء، فمن الضروريّ لسلامة الجسد وصحَّته أن تكون الأعضاء سليمة، تعمل في ما بينها حسب وظيفة كلّ واحد منها، فوجب علينا أن نعضد ونساعد بعضنا بعضًا كي ينموَ الجسدُ بتوازن وتناغم، فأشترك في عمله مع باقي الأعضاء. نلتقي ونتحاور ونصغي إلى بعضنا البعض ونميّز بذلك ما هو خير الكنيسة وخير العالم، فنعيش شركة مسؤوليَّة نموّ الجسد والعالم في آنٍ معًا، ونخلق ديناميكيَّة عمل متواصل قوامها عمل الروح القدس الذي ينطق فينا ويصلّي فينا ويقودنا إلى تحقيق الشركة كما أرادها الرّب.

عيش المشاركة

كان الرُّسُل يجتمعون ويتقاسمون كلَّ شيء في ما بينهم، وكانوا على رأيٍ واحدٍ وفكرٍ واحدٍ وقلبٍ واحد، وبذلك تمَّموا إرادة الرّب الذي دعاهم إلى أنْ يكونوا واحدًا. فالمشاركة بالعمل تتطلَّب جهود الجميع ووضع مواهب الجميع وعطاياهم في خدمة إنسان اليوم وبناء عالم أفضل يسوده الإيمان والرجاء والمحبَّة، من خلال ميزة كُلٍّ منّا وفرادته. وجب علينا اليوم أن نتشاركَ بأفكارنا وهمومِنا ومستقبلنا، وأن نضعَ إمكانيَّاتنا الكبيرة والصغيرة على الرغم من محدوديَّتها في سبيل العَيْش الكريم والمساواة والحريّة، وأنْ نعطيَ ممَّا لدينا للآخر، وأَنْ نعيَ مسؤوليَّتَنا تجاه الكنيسة والعالم، فلا سبيل أمامنا اليوم إلَّا عَيْش المشاركة بعد الشركة، من أجل إعلان فرحة الإنجيل ووضع ذواتنا في خدمة الآخر.

عيش الرسالة

أطلق يسوع الرُّسُل بعد قيامته لإعلان الخلاص للعالم أجمع، فذهبوا يعلنون الخلاص الذي حقّقه على الصليب، وقيامته الذي بها غلب الموت. وعبر السنين سارت الكنيسة تعلن الخلاص، رغم ضعفها ومحدوديَّتها، بقيت أمينة لهذه الدعوة لأنّها جسد المسيح الذي يقوده الروح القدس. هذا الروح القدس الذي نلناه في سرّ المعموديَّة، جَعَلَ مِنَّا أنبياء ومرسلين مؤتَمَنين على إعلان الخلاص، فبذلك يكون كلُّ معمّد مرسَلًا بحكم عماده، فلا يقتصر إعلان الخلاص على المكرَّسين وحدهم بل هو واجب على كل معمّد، فيجب أن نكون اليوم شهودًا يعلنون الخلاص ويكرزون العالم، ويشهدون على اختبار الربّ في حياتهم، وأن يتماهى كلُّ فكر وقَوْل وعمل مع كلمة الرب وعَيْشها.

أخيرًا أخي بالإنسانية والإيمان، إذا أردْتَ أن نصلَ معًا إلى تحقيق الشركة والمشاركة والرسالة، فما نعمله اليوم ونعالجه من محاور – من خلال اللقاء والإصغاء والتمييز – ما هو إلاَّ تمرين سيُظهر وجهَ الكنيسة في المستقبل القريب. مشاركتك مُهمّة ويجب أن تكون فاعلة، فمثابرتك في إعلان كلمة الله والشهادة لها دليل على الشركة التي نعيشها والمسؤوليَّة المشتركة لبناء جسد المسيح والحفاظ عليه، فتحقيق كلّ ذلك يتطلَّب منّا “السَّيْر معًا”.