الإصغاء للروح القدس

الخوري هادي عبود

ذاكَ الذي رفرفَ على المياه في التكوين ومُسحَت به جبهة الأنبياءِ، ذاك الذي نزلَ على يسوع في نهرِ الأردنّ وحلَّ على الرّسلِ في العليّة، هو نفسه لَبِسَنا في المعموديّة وصيَّرَنا هيكلًا له. هو الروح القدس مُلهمُ الكنيسةِ ومحرّكُ حياتِنا الروحيّةِ وقائدنا نحو ملء قامةِ المسيح. هو المصلّي فينا بأنّاتٍ لا توصَف والمفسّرُ لنا حقائقَ الإيمان. فلا بدَّ لنا من أن نُصغيَ إليه ونسمعَ إلهاماته فنعرفَ إرادةَ الله في حياتِنا وفي مسيرةِ “السَّيْر معًا”. فكيف أصغي للروح؟

يبدأ الاصغاءُ بالاستعدادِ له، من خلال الثقةِ بأنَّ الروح القدس حيٌّ لا صنمٌ ومتكلّمٌ لا صامتٌ، فهو يخاطبُني في حياتي اليوميَّة ليكشفَ لي إرادةَ الثالوث. وبعد أن أثقَ بأنَّ الله يخاطبُني بروحِه القدّوس، عليَّ أن ألتفتَ نحو ذاتي وأعترفَ بحاجتي إلى “كلمة” تحرّرني من الموتِ القابع فيه وتقودني إلى الحياة التي يرجوها الله لي: فلا إصغاءَ من دون اعترافٍ بالنقصان وبالحاجة إلى حياةٍ توهَبُ لي.

عند مشارفِ هذا الاعتراف أُصبحُ جاهزًا لبدْء رحلةِ الإصغاءِ للروح: فالساكنُ فيَّ يهبُّ حيثُ يشاء ويتكلّمُ في كلِّ مكانٍ وكلِّ زمان. لذلك، أنا مدعوٌّ إلى التأمّلِ في كلّ الكلمات: المكتوبة منها والمسموعة، المنظورة منها والمتجسّدة بالأحداث. فلا بدَّ لعقلي ولقلبي أن يكونا دائمَي اليقظة: فالروحُ حاضرٌ وهو يخاطبُني وما من مفتاحٍ للإصغاءِ إليه سوى التأمّل.

وبينما أُصغي لإلهاماتِ الروح، من كشفٍ للحقائق الإيمانيَّة ومن دعواتٍ متنوّعة من الله، أعودُ إلى ذاتي من جديدٍ وأمجّدُ الله لأنّه حيٌّ يخاطبُني، وأعترفُ من جديدٍ بحاجتي إلى “كلمة” تحرّرني وتقودني، فأستخدم مفتاحَ التأمُّلِ من جديد ليصبحَ الإصغاءُ للروح، لا فعلًا أقومُ به، بل حالةً أحياها وتحيا فيَّ. هي مسيرةُ إصغاءٍ، تبدأ بالقناعات فتتحوّل إلى تمرين لتصبحَ حالةً تَحْيا فينا وتحيينا. فهلمّوا نصغي لِما يقوله الروحُ لنا.