روحانيّة الزواج والعائلة

الخوري طانيوس خليل

الحديث عن القداسة في الزواج والعائلة ليس بجديد في الكنيسة. الكنيسة قدَّمت لنا أزواجًا قدّيسين عاشوا حياة الإيمان والمحبة والخدمة. لكنّ الكلام على روحانية الزواج ولاهوت العائلة بطريقة منهجيّة يعتبر جديد العهد. ليس هناك في الحقيقة من دراسات منهجية كثيرة لتطوّر الروحانيّة الزوجيّة خلال التاريخ[1].

الأمر ليس بغريب، فهو مرتبط بدور العلمانيّين (المهمَّشين) وأهميّته في حياة الكنيسة. إضافة إلى ذلك يمكننا أن نذكر سببين :

الأول : التركيز على البُعد الرهبانيّ والإكليريكيّ بشكل عام. الرهبنة مثال كل روحانيّة، والحياة المكرَّسة مقياس ومثال نحكم من خلاله على الحياة الزوجيّة. التبتل يُعتبر الدعوة المثلى للكمال المسيحيّ الرهبانيّ أو العلمانيّ. الأزواج القدّيسون، تبعًا للسنكسار، أصبحوا قدّيسين لأنّهم دخلوا الأديار أو أصبحوا أرامل فتمكّنوا من دخول الأديار (الكنيسة الأولى رفضت فكر الـencratites ، لكنّ الآباء جعلوا البتوليّة فوق الزواج . إيريناوس وترتيليانوس في مدحهما للبتوليّة ذهبا بعيدًا، كأنهما يحرّمان الزواج ـ تأثير الفكر اليونانيّ كالرواقية).

الثاني : النقص اللاهوتيّ في المجال الاكلزيولوجيّ ولاهوت الأسرار قبل المجمع الفاتيكانيّ الثاني.  الهرمية ـ السلطة (الإيررخيّة) والطاعة احتلّتا الحيّز الأكبر في الروحانيّة، وتاليًا كان الحديث عن المشاركة والشراكة قليلاً. فالأزواج مدعوون إلى الطاعة (للكنيسة = السلطة، كأنّهم لا ينتمون إلى شعب الله). أضِف إلى ذلك التركيز في لاهوت الزواج على النواحي القانونيّة، كالعقد والواجبات، أكثر من الأبعاد الكتابيّة كالعهد والحبّ والفرح. الحديث عن الزواج كسرّ والكنيسة كشراكة يعتبر نقطة التحوّل، وبخاصة ابتداءً من سنة ١٩٣٠ (بيوس الحادي عشر Pie XI Casti connubii,). النصوص الرسمية الصادرة بعدها أسست لما يُسمّى روحانيّة عائلية spiritualité familiale، وبخاصّة أمام التحوّلات الكبرى التي عرفتها العائلة والمجتمع  )ثقافيّة واجتماعيّة) والتي شكَّلت وتشكّل تحدّيًا فعليًا للعائلة المسيحيّة كمؤسسة.

الكنيسة لم تقف مكتوفة الأيدي، وذلك من خلال مراجعة ذاتيّة ودراسات تحليليّة ونقديّة أدَّت إلى النصوص المجمعيّة atican IIV . عالجت دراسات عدَّة موضوع العائلة في النصوص المجمعيّة[2].

الهدف من ذلك (عمل الكنيسة وفكرها) لم يكن دفاعيًّا بحتًا، بغية الحفاظ على العائلة كعقل ومؤسسة تجب حمايتها، بل بالنظر إليها كإطار حيويّ يمكّن المسيحيّين من عيش الإنجيل في العالم. وخلق بنيات رعويّة مؤاتية تساعد على إعداد علمانيين ناضجين يعيشون دعوتهم. الدعوة إلى القداسة لم تعد حكرًا على فئة. إنها نداء موجَّه إلى الجميع، يعيشها كلّ واحد تبعًا لحالته الخاصة. ختامًا لهذه المقدّمة الطويلة، يجب التنويه بما حملته الحوارات المسكونيّة بين الكنائس المسيحية (familles ecclésiales) وإعادة اكتشاف الروحانيّة الشرقيّة والإنجيليّة (protestante)[3].

أوّلاً ـ ما يميّز روحانيّة الزواج والجديد الذي تحمله

أ. روحانية كتابية مثالها المسيح ـ الكنيسة[4]

درج التقليد البيبليّ على استعمال طريق “المماثلة” ليشرح عهد الله مع شعبه بالعودة إلى الحبّ والالتزام الزوجيّ، وليضيء الطريق الحقيقيّة للشركة الزوجيّة بالعودة إلى محبّة الله وأمانته ومغفرة الله تجاه شعبه[5].

فالأنبياء استعانوا بصور الحب الزوجيّ ليرمزوا إلى حبّ الله لشعبه في أبعـاده الثلاثيّة : الاختيار والحياة والأمانة، وبالمقابل قدَّسوا أمانة الله لعهده . نجد اسرائيل كمثال للزوجين، لأمانة حقيقيّة وصحيحة لالتزامهما الزوجي.

في العهد الجديد، تحققت حقيقة الحب الزوجيّ في سرّ زواج الله ـ المسيـح بالبشريـّة ـ الكنيسة. بالنسبة إلى بولس الرسول، الاتّحاد الفائق بالحبّ لا يشكّل السبب الأخير لوجود العلاقة بين الرجل والمرأة وحسب، بل “النموذج الأصليّ” الواقعيّ والحيّ، “المثال الأعلى” الذي خلق الله بحسبه، منذ البدء، الرجل والمرأة. سرّ “حبّ المسيح والكنيسة” وحده، بحسب فكر بولس، قادر أن يضيء سرّ حب الرجل والمرأة، ويعطيه أن يصبح رمزًا واقعيًّا للعهد الجديد الأبدي. الزواج بالمفهوم الكتابي ليس مجرّد علاقة طبيعيّة بشريّة عابرة، بل هو عهد وشركة وأمانة ثابتة، وفق إرادة الخالق. والجديد، في المفهوم المسيحيّ، هو اعتبار الزواج سرًّا يستمدّ كلّ معناه وملزماته من سرّ وحدة المسيح والكنيسة. بهذا يقدّم بولس الرسول روحانيّة مسيحيّة مميّزة وفريدة للحياة (الزوجية)، روحانيّة مؤسّسة على اتّحاد المسيح العروس وكنيسته، تؤهّل الزوجين المسيحيين لأن يعيشا زواجهما في المسيح، ويحقّقا دعوتهما إلى القداسة التي هي “حياة في المسيح”.

هذا ما يعطي علاقة الرجل والمرأة كرامتها ومعناها العميق، وتاليًا تحديد إلزامات الزواج وتوضيح خُلقية الحياة الزوجيّة : يُصبحان علامة حيّة لحبّ المسيح للكنيسة ويجسّدان سرّ الله للمحبة.

بالمشاركة المسؤولة الحرّة بالخلق سيشهدان لحبّ المسيح والكنيسة، وبالتربية على الحبّ والحرية يعيش الزوجان التنوّع والتجرّد.

باختصار، عهد الربّ مع شعبه والتزامه إيّأه وأمانته وغفرانه له ومحبته اللامتناهية تجاه الذي تحقّق بملئه في اتّحاد المسيح والكنيسة، هذه تبقى “الأيقونة الحيّة” لوحدة الزوجين وازدهارهما في الحبّ كطريق وحيد لقداستهما. مسيرة  نموّ دائمة وتحوّل إلى هذه الأيقونة: كلّما زاد الإثنان اقترابًا وعمقاً في التخلّق بأخلاق المسيح، كلّما قصُرَت المسافة بينهما وازداد قربهما وتثبتت وحدتهما[6].

ب. روحانية الثنائي Spiritualité du couple

هذه الروحانية لا تستبعد الأولاد، لكنّ وحدة الشراكة أساسها الثنائيّ الذي التزم العهد الأسراريّ. الشركة الزوجيّة تقوم على العهد الذي يتبادل به الأزواج العطاء والتقبّل[7]. المسيرة الزواجيّة روحانيّة تتميّز بالتوق إلى الوحدة كعنصر مؤسّس ودينامي لعيش هذا السرّ. من اثنين إلى واحد وواحد لا يلغي التعدّد. الكنيسة المارونية تسمّي سرّ الزواج المقدّس، في اللغة السريانيّة، شوتفوتو، أي شركة، وهي التي تستعملها أيضًا للحديث عن المناولة، قمة العهد بين الله وأبناء المعموديّة والمثال الأكمل لعهد الزواج المسيحيّ.

الزواج صيرورة يومية تتميّز بعيش ثلاث قِيَم إنسانية ـ مسيحية : الأمانة للآخر ولمشروع الله؛ التعاون؛ التضامن مع الآخر وحمله[8] ؛ وأخيرًا الفرادة التي تميّز مسيرة كلّ ثنائيّ في دعوته نحو الوحدة في المسيح والنموّ بالروح القدس. (المجمع البطريركيّ المارونيّ يتحدّث عن الزواج المسيحيّ كمشروع قداسة). العلاقة بين الاثنين علاقة خصبة. كما يلد المسيح الكنيسة هكذا على كلّ واحد من الزوجين المسيحيّين أن يلد الآخر في المسيح، وأن يقبل المسيح من الآخر وفيه (هكذا بالنسبة إلى الأولاد).

ج. روحانيّة علمانيّة Spiritualité laïque [9]

بمعنى أنّها تعاش في الواقع الزمنيّ. الزمنـاليوم يتحوّل “ليتورجيّة حياة” تحوّل الأزواج إلى قربان مقبول[10] من خلال الإنتماء بحقّ إلى المجتمع ومسحنته. فالبيت والعمل والالتزام الاجتماعيّ والسياسيّ أطر للشهادة . فالعائلة طريق الكنيسة[11] تعلن فضائل الملكوت وتعيشها[12].

المجمع البطريركيّ أعلن بوضوح أنّ الزواج مسؤوليّة في هبة الحياة، في التربية، في حياة المشاركة. أضف إلى ذلك التركيز على دور العائلة في الترقّي الاجتماعيّ من خلال الانفتاح على المجتمع، المشاركة المجانية وحقوق الإنسان وحقوق العائلة.

د. روحانية متجسّدةincarnée      Spiritualité

الحبّ والجنس حقيقتان تعاش من خلالهما الروحانيّة الزوجيّة، ويُعتبران الجوهر الإنسانيّ للزواج ويصبحان أداة لعيش السرّ في الواقع. الزوجان المسيحيّان يحقّقان دعوتهما بأن يكون حبّهما الزوجيّ تجسيدًا وتعبيرًا حيًّا لسرّ الاتّحاد السرّي بين المسيح والكنيسة، الاتحاد الذي سيشاركان فيه بالنعمة : المسيح بنعمة سرّ الزواج يشفي حبّهما من كل شهوة وتسلّط، وبالروح القدس يقدّس العلاقة الجسديّة ويثبتها بختم الوحدة والديمومة، لتكون على مستوى الحبّ الذي يربط المسيح بكنيسته.

المشاركة في حياة المسيح وسرّه الفصحيّ تعاش من خلال الحبّ الزوجيّ وعطاء الذات، فالعطيّة الجنسيّة(don sexuel)  بالحبّ والانفتاح على الخصب عامل فرح وعنصر بناء في حياة الثنائيّ. من خلاله يعيشان شراكة حياة وانفتاح. جوهر الحبّ الزوجيّ هو أن يكون خصبًا. المجمع البطريركيّ : “لا يتجلّى الخصب في إنجاب البنين وحسب بل في العناية القصوى بهم، بتخطّي الأنا ولقاء الآخر وتخطّي نطاق الثنائيّ إلى قبول الأولاد وتخطّي نطاق العائلة الضيّق لتحويلها إلى خليّة حيّة في المجتمع، وكنيسة منزلية في قلب الرعيّة، متضامنة وملتزمة بخدمة كلّ محتاج”.

هـ. روحانيّة كنسيّة Spiritualité ecclésiale

الحديث عن الجنس والخصوبة يؤسّس للانفتاح على الشريك والأولاد والمجتمع. روحانيّة العائلة لا تقتصر على الثنائيّ أو تنحصر بالعائلة الواحدة وحدها، إنها حقيقة كنسيّة réalité ecclésiale . الزواج المسيحيّ أمام الله والإنجيل والكنيسة الحاضرة والأب المكلِّل  يُدخل الزوجان في علاقة كنسيّة : شراكة على الصعيد الشخصيّ “يصبح الكائنان المختلفان في البداية جسدًا واحدًا”، وتاريخ حبّ واحد فيحقّقان وحدتهما وشراكة مع الجماعة ـ الكنيسة لأنهما ينموان في الكنيسة وفي المجتمع”[13].

الزواج علامة الكنيسة[14] (signe de l’Église) والعائلة اختبار كنسيّ expérience ecclésiale [15] يحقّق الزوجان دعوتهما اقتداء أمينًا بحبّ المسيح للكنيسة “النموذج الأصليّ الإلهي”. الـ “نحن” الإلهيّ هو المثال الأزليّ للـ”نحن” البشريّ المؤلّف من الرجل والمرأة[16] العائلة جماعة ـ كنيسة، مكان تلاقي أشخاص مميّزين بتنوّعهم ومواهبهم. إنّها “كنيسة مصغرة”[17]، تتحدّث عن العائلة ككنيسة بيتيّة. ليس بمعنى القلعة المنغلقة على ذاتها أو الواحة الأخلاقيّة الخاصّة في صحراء هذا العالم، ولكن كمدرسة إيمان وسلام ورجاء في خدمة الخير العام.

و. روحانيّة العائلة كخدمة

لا يمكن أن تتقوقع العائلة على ذاتها، فهي المنفتحة على الكنيسة التي تحدّد هويّتها المسيحيّة. خدمة العائلة خدمة علمانيّة غير مرسومة. إنها جواب عن نداء الله الذي يدعوها للنموّ في النعمة وبذل الذات. خدمة العائلة أو رسالتها هذه تتحقق من خلال : الشهادة وخدمة الحياة والمجتمع.

  • الشهادة : العائلة علامة تشهد للحبّ والامانة ولعهد الله والوحدة.
  • خدمة الحياة[18] من خلال المشاركة بالخلق جسديًّا (الإنجاب)، وروحيًّا (التربية، التبني، الضيافة …) الولادة في العائلة من خلال استمراريّة الحياة تُعتبر أمرًا طبيعيًّا (naturel) ولكن نقل الإنجيل والبشرى في العائلة يتخطّى هذا المجال الطبيعيّ ويأخذ الطابع الكنسيّ بامتياز. الأبوّة والأمومة تتخطّيان البعد البيولوجيّ إلى التشبّه بالله، فالله بأبوّته مثالها الأصيل. مواصلة الخلق، سلسلة مبتدأها الله وتقود إليه[19].
  • في خدمة العالم والمشاركة في تطوير المجتمع[20] على صعيد الحياة المدنيّة الاجتماعيّة (المدرسة، الحيّ، الجمعيّات) وعلى صعيد الحياة الكنسيّة (إعداد الزواج، التعليم المسيحيّ، خدمة الكنيسة والتفرّغ للنشاطات الرسوليّة). تعيش العائلة ميزات الروحانيّة الزوجيّة انطلاقًا من وعيها المستمرّ لدورها في الجماعة المسيحية، وتكتشف تاليًا دعوتها الرسوليّة. يدرك الثنائيّ أنّه في العالم ودعوته أن يحوّله إلى الله. العمل التبشيريّ لا يقتصر على المكرَّسين وحدهم، أضف إلى ذلك أنّ العائلة بمكوّناتها مدعوّة لأن تصبح مكانًا كنسيًّا حيث يتحقّق العالم الجديد بالمسيح[21].  

ثانيًا ـ الزواج المسيحيّ شهادة حياة ـ مثال إجتماعيّ ومكان لاهوتيّ

الزواج المسيحيّ يأخذ طابعه وهويّته من الإنجيل، الذي يؤنجل العلاقات والمفاهيم، كالسلطة مثلاً بين الرجل والمراة، وبين الأزواج والأولاد[22]. الأزواج المسيحيّون يعيشون الوحدة في الزواج والأمانة والخصب وخدمة الآخرين كقيم إنجيليّة وعطايا من الله.

جديد المسيحيّة ليس في أشكال الزواج (أحادي، famille patriarcale ou famille communautaire) فالعلاقة مع المسيح تجعل من العائلة مكان خلاص ونعمة. “هبة المسيح تعضد الأزواج مدى الحياة … يتّخذون قوّة وشبه تكريس ليقوموا بالواجبات المترتّبة على حالتهم الزوجيّة”[23].

الزواج المسيحيّ خيار أنتروبولوجيّ أساسه الحبّ المكوِّن للإنسان، ولكنّه منفتح على الله ويسعى لتحقيق صورة الله في الوجود المسيحي للثنائيّ[24]. للعائلة دور كهنوتيّ وهي مدعوّة إلى تقديس ذاتها وإلى تقديس الجماعة الكنسيّة والعالم[25] 

ثالثًا ـ غذاء الروحانيّة الزوجيّة وطريق القداسة العائليّة

الدعوة الشاملة الى القداسة تتوجّه إلى الأزواج كما تتوجّه إلى الوالدين المسيحيين. الزواج المسيحيّ كسائر الأسرار جُعِل “لتقديس الناس، وبنيان جسد المسيح، وأخيرًا لعبادة الله”[26].

واجب التقديس المُلزَمة به العائلة المسيحيّة، أو روحانيّة الزواج تجد جذورها الأولى وغذاءها في :

1ـ كلمة الله : البابا بولس السادس يعتبر أنّ مستقبل التبشير بالإنجيل يتوقّف إلى حدّ كبير على الكنيسة المنزليّة[27].

2ـ الإفخارستيا : ذبيحة الإفخارستيا ترجع إلى عهد محبّة المسيح للكنيسة الذي خُتم بدم الصليب. في ذبيحة العهد الجديد الأبديّ يجد الأزواج المسيحيّون الأصل الذي يتفرّع منه عهدهم الزواجيّ ويتكيّف به باطنيًّا ويحيا باستمرار. في المحبة النابعة من الإفخارستيا تجد العائلة المسيحيّة أساس “اتحادها”و”رسالتها”، وما يشبه روح هذا الاتّحاد وهذه الرسالة[28].

3ـ سرّ الإرتداد أو المصالحة : الندامة والمغفرة المتبادلة اللذان غالبًا ما تُمارسان في الحياة اليوميّة، تجدان في العائلة المسيحيّة زمنهما الأسراريّ الخاصّ في التوبة.

4ـ الصلاة العائلية كصلاة جماعيّة يقوم بها الزوجان معًا، إذا اتفق اثنان منكم في الأرض…[29] الأزواج معلّمو صلاة “في الأسرة المسيحيّة، يجب أن يتعلّم الأولاد منذ نعومة أظافرهم وتجاوبًا مع الإيمان الذي قبلوه في العماد كيف يكتشفون الله ويكرّمونه وكيف يحبّون القريب”[30].

خاتمـــة

روحانيّة العائلة عرفت تحوّلاً كبيرًا وظهرت بوضوح كطريق قداسة للمتزوّجين وأصبحت “طريق الكنيسة”، فمستقبل البشريّة والكنيسة يتوقّف على العائلة، كما يقول البابا يوحنا بولس الثاني[31]. “يجب أن تكون العائلة، كالكنيسة، المكان الذي ينقل إليه الإنجيل ويشعّ منه الإنجيل”[32]. العائلة كنيسة منزليّة وكنيسة صغيرة يسطع فيها سرّ كنيسة المسيح وتعبّر عنه بطريقة الحياة[33].

موقف الكنيسة من العائلة وما تعلنه بطريقة خطيّة شهادة مهمّة في العالم للمحافظة على مؤسّسة العائلة، لكنّ هذا وحده لا يكفي. الأهمّ هو الشهادات الحيّة. ألمح البابا بولس السادس إلى أنّ “الإنسان المعاصر يصغي بطيبة خاطر إلى الشهود أكثر منه إلى المعلّمين؛ أو إذا أصغى إلى المعلّمين فلأنّهم شهود”[34]. سرّ الزواج يجدّد واجب الدفاع عن الإيمان ونشره ويحثّ عليه، وهو واجب راسخ في العماد والتثبيت، ويجعل من الزواج والوالدين المسيحيين شهودًا للمسيح ورسلاً حقيقيين للحبّ والحياة[35].

 

[1] Histoire de la spiritualité chrétienne  1960–1961–1966 ; Dictionnaire de spiritualité  “famille” tome V. col. 61–72 ; “La spiritualité conjugale entre 1930 – 1960” dans Concilium 100 (1974) 33-45 الكنيسة الأولى والآباء.

[2] “Le mariage et la famille dans les documents conciliaires” dans l’Anneau d’or  128 (1966) 90 – 109…

[3] P . Evdokimov, Sacrement de l’amour, le mystère conjugal à la lumière de la tradition orthodoxe, Paris 1962 ; Max Thurian, Mariage et Célibat,  1964.

[4]  استندنا في مقاربتنا للروحانيّة الكتابيّة الى مقالة  للخوري شوقي كرم،أحبّا بعضكما حبّ المسيح والكنيسة”، بيبليا ٢١/٢٠٠٤.

[5]  حز ١٦؛ هو ١-٣ ؛ متى ٢٢/ ١- ١٤؛ ٣/٢٩.

[6]  الخوري شوقي كرم، مقالة “أحبَّا بعضكما حسب المسيح والكنيسة”، بيبليا، 21/2004.

[7]  فرح ورجاء ٤٨.

[8]  غلاطية ٦/٢.

[9] LG 31.

[10]  ١ بط ٢/٥.

[11] رسالة إلى الأسر ٣.

[12] LG 35.

[13]  المجمع البطريركي.

[14]  أفسس ٥/٣٢.

[15] LG 11.

[16]  رسالة إلى الأسر ٦.

[17]  وظائف العائلة ٢١، LG 11، GS 18

[18]  وظائف العائلة ٢٨-٣١.

[19]  رسالة إلى الأسر ٧ و١٥.

[20]  وظائف العائلة ٤٣-٤٨.

[21]  ١ قو ٥ : ١٧.

[22]  متى ٢٠ : ٢٥.

[23]  وظائف العائلة ٥٦.

[24]  وظائف العائلة المسيحية ١١-١٥: قصد الله من الزواج والعائلة بنيان الكنيسة.

[25]  وظائف العائلة ٥٥.

[26] SC 59.

[27] أمام أساقفة أميركا اللاّتينية ٢٨ ك ١٩٧٩.

[28]  الوحدة في التنوّع، وظائف العائلة المسيحيّة ٥٧.

[29]  متى ١٨/١٩-٢٠.

[30]  إعلان في التربية المسيحيّة، ٣.

[31]  وظائف العائلة ٨٦.

[32]  الإرشاد في وجوب التبشير بالإنجيل ٧١.

[33]  وظائف العائلة ٨٦.

[34] أمام أعضاء المجلس العلماني ٢ ك ٢ /١٩٧٤.

[35]  وظائف العائلة المسيحيّة ٥٤.