الزواج المسيحي في لبنان بمنظار العلوم الاجتماعية

الدكتورة دنيا حشيمي أبو خليل

تحديد مفهوم الزواج

حدّد علماء الاجتماع الزواج عامة بكونه قناة الحياة الجنسية المحتّمة، يقوم بدور تنظيم واقع الزوجين الوجوديّ ؛ من جانب الدين بصفته الحارس الأمين لتنظيم معاني الجماع الروحيّة ؛ ومن قبل الدولة كونها المشرّع المدني لهذا الارتباط.

وأين تكمن المشكلة ؟

تكمن، بدايةً، في كون الكائنين الفاعلين في الزواج هما في حال من الترابط والتغيُّر بفعل طبيعتهما البشريّة. وهي ثانيًا في أنّ مفهوم الزواج ينبع ويتغيّر في إطار مجتمعات حديثة سريعة التطوّر، تكنولوجيًّا واقتصاديًّا، واضعةً الإنسان في دوامة الاستهلاك المؤقّت l’éphémère منتظرًا المستجدّات بصورة دائمة.

نستخلص ممّا تقدّم أنّ الزواج ينطلق من أرضيّة متحرّكة، وأكاد أقول رمال متحرّكة، تشكّل خطرًا نحاول تداركه من طريق القواعد العلميّة المبنيّة على تغيّرات، نحاول في ما يلي من النقاط مقاربتها ودرسها.

أوّلاً ـ رأي المراجع الروحيّة المارونيّة العليا

         بشكل عام، نجاح الزواج المسيحيّ يفوق إمكانيّة فشله. ثمّة ملاحظة مهمّة نوجزها بمتغيّرات ثلاثة :

  • الزواج في حاجة إلى تحضير جدّي ومركّز؛
  • نزوع الشباب اليوم إلى العلمانيّة، عقليّةً وممارسةً ؛
  • شكوى الشباب والمتزوّجين بعامّة من الجهل الدينيّ، أي من ذهنيّة فكريّة وسوء فهم وجهل وعدم معرفة لتعاليم الكنيسة المنظّمة للزواج المقدّس.

وإذا بالسؤال البديهي : ما المشكلات الناتجة ؟ تجيب المراجع الروحيّة العليا بأنّها ثلاث :

مشكلات علائقية جنسية

مشكلات اقتصادية

تبعات لاحقة

* استعمال الحبوب لمنع الحمل بما يناقض تعاليم الكنيسة، وانحراف العلاقة الجنسية عن غايتها؛

* تظهر بقوة في الأسر المسيحيّة بالانحرافات الخلقيّة وممارسة البغاء؛

* تتجسّد في ظاهرة الإلحاد والابتعاد عن الدين ؛

* طريقة وحشية من الزوجين في ممارسة العلاقة الجنسية ؛

 

* تتجسّد في الميل نحو العلمنة.

* مشكلات نفسيّة (عصبيّة) تؤدّي إلى الامتناع عن العلاقـة الجنسية؛

  

* حالة من العجز الجنسيّ تحتّم فيما بعد العلاج الطبيّ النفسيّ والجسديّ المتخصّص.

  

ثانيًا ـ إستفتاء رأي المتزوّجين عام 2007

إستفتاء الرأي يمثّل عيّنة إحصائيّة تتناول متزوّجين[1] في أعمار تراوح بينالعشرين والخمسين وما فوق أحيانًا، حول متغيّرات، وقد أتت نتائجه تراتبيًّا بين الإيجابيّ والسلبيّ :

المتغيّــــرات

نعــــم

كــــلا

1. هل أغناك الزواج روحيّا ؟

80%

2. هل أنت مكتفٍ بعدد أولادك ؟

80%

3. هل أنت سعيد في زواجك ؟

73%

26%

4. هل شكّل لك الزواج استقرارًا اجتماعيًّا في حياتك؟

73%

26%

5. هل أغناك الزواج جنسيًّا ؟

47 %

46 %

6. هل بُني زواجك على الحب ؟

46.2 %

7. هل بني زواجك على العقل ؟

46.3 %

8. هل أغناك الزواج اقتصاديًّا ؟

37 %

60 %

ثالثًا ـ المشاكل المطروحة داخل الزواج المسيحيّ اللبنانيّ والمؤثّرة في وجوده

  1. على صعيد التزام الزوجة عملاً خارج المنزل، مع وجود طفل في حاجة إلى العناية والانتباه :
  • استقدام القريب الأكبر (le grand proche) كي يمثّلها أو يناوبها قرب طفل لها في ما دون الثانية من عمره ؛
  • مكافحة الشعور بالذنب لديهـا بمحاولة الوصـول تجريبيًّا إلى الموازنة (l’entre deux) بين الاهتمام بالأسرة والاهتمام المهنيّ، توصّلاً إلى المساهمة في رفع مستوى اقتصاد أسرتها ؛
  • مكافحة مشكلة العلاقة الاندماجية الشديدة بين الأمّ والولد، الناتجة من وجود الأمّ الحصريّ ضمن أسرتها، بحيث تظهر غالبًا عوارض انهيار وقلق ؛
  • مكافحة صراع الأجيال الذي غالبًا ما يُولّد المناكفات بين الآباء والأولاد والخروج على التعاليم المسيحية.
  1. في ما خصّ الزوج :
  • غالبًا ما يهمل الزوج دوره الأسريّ القائم على السلطة، وتأمين اقتصاد الأسرة والمراقبة والتوجيه الروحيّ والأخلاقيّ، بسبب المخدّرات والممارسات الشاذّة ؛
  • الإحجام عن القيام ببعض المسؤوليّات الأسريّة، في حال عمل الزوجـة خارج المنزل ؛
  • العنف المنزليّ باستعمال الضرب أو التحطيم المعنويّ لأعضاء أسرته ؛
  • مشكلة الزوج العاطل عن العمل أو المفلس ماديًّا.
  1. انقطاع الحوار بين الزوجين :
  • الطلاق أو الانفصال ؛
  • الحلول اللاأخلاقيّة المعطّلة لتواصل الزوجين، كمنع الحمل والتعقيم والإجهاض سعيًا لحلّ مشكلاتهما الاجتماعيّة والاقتصاديّة ؛
  • الابتعاد عن الممارسات الدينيّة المشتركة، كالمشاركة في الذبيحة الإلهية معًا وباقي الصلوات والقراءات المقدّسة. 

في الحلول :

تلك هي بعض المشكلات التي تهدّد توازن العلاقة الزوجيّة المسيحيّة في مجتمعنا اللبنانيّ، نذكرها بألم، مقترحين بعض الحلول :

  • أهمّية تكثيف العلاقة ضمن العائلة الموسّعة والأصحاب، والتواصل مع أعضاء الحيّ الواحد، والقيام بالنشاطات المختلفة، ما يشكّل مجموع نشاطات تساعد الزوجة الملتزمة كلّيًا بأسرتها على تفادي العلاقة الاندماجيّة مع أولادها ؛
  • خلق مركز استقبال للأهل والأولاد (Centre d’accueil pour parents et enfants) تلافيًا للوقوع في مشكلة القطع (rupture) الممكن حصولها بين الأم وولدها، وتشجيعًا للانفصال الإيجابيّ البنّاء بينهما، بحيث يصبح انفتاحًا على العالم الخارجيّ وإغناء للعلاقات المتنوّعة بين الأسر ؛
  • حلّ مشكلة الاستبعاد الاجتماعيّ والمهنيّ لكلا الزوجين، وذلك بخلق فرص عمل، بناء على سياسة رسميّة اقتصاديّة واجتماعيّة سليمة ؛
  • تشجيع العمل الرعويّ على المصالحة، انطلاقًا من احترام تنوّع التقاليد والمواهب؛
  • تشجيع خلق الجمعيّات العائليّة، وجعل الزوجين يشاركان معًا في الذبيحة الإلهية والصلوات المقدّسة ؛
  • العمل على تحقيق توافق طائفيّ على مستوى الأسر ؛
  • استحداث وظائف لمتدخّلين أسريّين ذوي معرفة وخبرة لدى الزوجين، في حال حصول ما يهدّد وحدتهما واستمراريّتهما العلائقيّة.

ثوابت إيمانيّة في خلاصة

تكريس هيمنة وجود الله في حياتنا. فلقد تصدّت الكنيسة لما ذهبت إليه نظرية داروين[2] حول تطوّر الإنسان والمجتمعات، ونفيها هيمنة وجود الله في حياتنا، لأنّ بها تغييبًا للضمير، والزواج معها مجرّد عقد غالبًا ما ينتج عنه تفكّك أسريّ خال من أي رادع أخلاقي، والعائلة، أو الأسرة، مرادف لـ”العائلات” أي لكل زواج أو تجمّع بشريّ في إطار المساكنة أو المثليّة الجنسيّة… ما يبعدنا عن جوهر الزواج الكنسيّ المبني على أنّ للنفس دورًا هو حمل المادّة إلى فوق، إلى خالقها، وأنّ الإنسان مخلوق على صورة الله وهو على علاقة متميّزة فريدة به. وربّ قائل : “إنّما الأمم أخلاق ما بقيت”.

والكنسية تركّز على الرسالة المسيحية التي يحملها كلا الزوجين بالمعمودية وتختصر بالتعليم والتقديس والتدبير. إذ المسيحيّ تحديدًا، هو الإنسان الذي مُسح بالميرون (مشيحو) أي بالروح القدس، فأصبح كالمسيح المعلّم والكلمة بامتياز، الملك والراعي الصالح الذي أرسله الله فاديًا للبشر، فقدّم ذاته وأحبّ حتّى الصليب.

ثمّ مهمّة الزواج الاجتماعيّ هي عمل الزوجين، في نطاق الأسرة التي ينشئانها، على تحقيق ثلاثة أهداف : رسالة التبشير، فمن واجبي أن “أُأَنجل” مجتمعي في ضوء كرامة الإنسان وإحقاقًا لها ؛ ورسالة الكهنوت تحريرًا للبشر في أجسادهم ونفوسهم ؛ ورسالة المصالحة، بإحياء الزمن الجديد، زمن المحبة وإحقاق ملكوت القداسة والحقيقة والعدالة، منطلقين من أن الكنيسة ملكوت ذو قدرة على تدمير سلطان الشرّ ونشر المحبة والعدالة، توصّلاً إلى بناء سلطان الله.

نختم بالقول إن التكامل في الزواج كالتكامل بين الرأس والجسد اللذين يؤلّفان المسيح الكامل، رأس كلا الزوجين، الذي لم يقبل وحده المسحة، بل نحن أيضًا تقبّلناها معه لأنّنا جسده. لقد أصبحنا ممسوحين بالمسيح وبالروح القدس، فخُتمنا بالميرون المقدّس كي نكمّل بالزواج ما مُسحنا لأجله في المعمودية.

[1] مئة، ذكورًا وإناثًا.

[2]  داروين، بحث حول أصول المخلوقات، De l’origine des espèces، 1859.