في الرضى الزواجي وفي عيوب الرضى

الأب ايلي رعد

تحدّد الكنيسة سرّ الزواج في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية كما يلي:

القانون 776:

        البند 1 ـ عقد الزواج الذي صنعه الخالق ونظّمه بشرائعه، والذي به ينشئ الرجل والمرأة، برضىً شخصيّ لا نكوص عنه، شركةً بينهما في الحياة كلّها، من طبيعته أن يهدف الى خير الزوجين وإلى إنجاب البنين وتنشئتهم.

       البند 2 ـ لقد جعل السيّد المسيح من الزواج الصحيح بين المعمّدين، وبذلك عينه، سرًّا به يجمع الله الزوجين في وحدةٍ على صورة الوحدة التي لا تنفصم بين المسيح والكنيسة، ويكرّسهما ويقوّيهما بالنعمة السريّة.

أوّلاً ـ إنه عهــد  وعقــد  وســر

1 ـ الزواج عهد

عهد حبّ وحياة أسّسه الخالق، فكتب الدعوة الى الزواج في طبيعة الرجل والمرأة كما خرجا من يد الله. هو عهد على صورة العهد الذي أبرمه الله مع شعبه في العهد القديم، وهو عهد على صورة العهد الجديد الأبديّ بين المسيح والكنيسة.

هو عهد حبّ يعني أنّ الله الذي خلق الانسان عن حبّ يدعوه الى الحبّ، والله نفسه محبّة. فالحب المتبادل بين الرجل والمرأة يصبح صورة للحبّ المطلق والدائم الذي يحبّ به الله الانسان.

هو عهد حياة بحيث لا ينتهي الزواج عند حد الزوجين، بل يمنحهما امكانية المشاركة في عمل الخلق: “باركهما وقال: انموا واكثروا واملأوا الارض…”[1]. عهد الحبّ والحياة يخلق شركة بين الزوجين مدى الحياة تتّصف بالوحدة والديمومة.

الوحدة تقتضي الامانة اليوميّة لوعد هبة الذات المتبادلة كاملة من دون أي شريك آخر.

الديمومة وهي ديمومة الحياة معاً بما يقتضي ذلك من محبة كبيرة وتجرّد وعطاء متبادل لأنّ “ما جمعه الله لا يفرّقه الانسان”[2].

2ـ الزواج عقد

هذا العهد يقوم عمليًّا بعقد قوامه الرّضى الشخصيّ الواعي والحرّ، يتبادله رجل وامرأة، لا يحول دون زواجهما أيّ مانع مبطل، أمام شاهدين رسميّين هما الإشبين والإشبينة وأمام كاهن ذي صلاحيّة، يباركهما في رتبة مقدسة (الصيغة القانونية).

إنه عقد ككلّ العقود من حيث العناصر الأساسيّة، لكنه يمتاز عنها خاصة في موضوعه بحيث يتبادل الزوجان ذاتيهما لا أشياء؛ ولأنه عقد فهو يولّد حقوقاً وواجبات لكلا الزوجين على صعيد الحياة الزوجيّة والعائليّة.

3ـ الزواج سرّ

         هي النعمة الالهيّة التي ينالها الزوجان من السرّ المقدّس، تكمّل حبّهما، وتوطّد وحدتهما وتقدّسهما في حياتهما الزوجيّة وفي قبول البنين وتربيتهم كما انها تغذّي الفضائل المسيحيّة كالثقة بالله والاتّكال على عنايته وروح العفّة والمسامحة والتضحية.

ثانيًا ـ تعريـف الرضــى وعيوبـه

 1ـ تعريف الرضى

تعريف الرضى الزواجيّ جاء في القانون 817 كما يلي:

البند 1 ـ الرضى الزواجيّ فعل إرادة به يتعاقد الرجل والمرأة تعاقداً لا رجوع فيه، على أن يقدّم كلّ واحدٍ منهما ذاته للآخر، ويقبل الآخر لإقامة الزواج.

البند 2 ـ ما من قوّة بشريّة تستطيع أن تقوم مقام هذا الرّضى.

2 ـ عيـوب الرضــى

عيوب الرضى في الزواج هي : التلجئة – الغلط في الصفة – إنعـدام القدرة على تحمّل مسؤوليات الزواج – الإكراه والخوف – الشرط – جهل موضوع الزواج – الخداع.

أ ـ التلجئــة

التلجئة هي فعل إرادة وضعيّ Acte positif de volonté  يعبّر عنه عاقد الزواج خارجيًّا عن رضاه الزواجيّ، وفي الواقع يرفض أو ينفي باطنيًّا الزواج بحدّ ذاته كمؤسسة أو إحدى خصائصه الرئيسية الثلاث وهي:

1ـ الديمومة أي لا قابليّة سرّ الزواج للانحلال ؛

2ـ الأمانة والوحدة ؛

3ـ الإنجاب أو النسل.

وجاء تعريفها في القانون 824 على الشكل الآتي :

البند 1ـ    يقدّر رضى النفس الداخليّ موافقاً للأقوال أو الإشارات التي ترافق عقد الزواج.

البند 2ـ    أماّ إذا أقدم أحد الفريقين أو كلاهما بفعل إرادة صريح على استبعاد الزواج نفسه، أو أحد عناصر الزواج الجوهريّة، أو إحدى خصائصه الأساسيّة، فباطلاً يعقد الزواج.

والتلجئة نوعان:

التلجئة الكاملة : تكون عندما يرفض أحد الفريقين أو كلاهما، بفعل إرادة وضعي، الزواج نفسه كمؤسسة. فعندما يعقد احد الزوجين زواجه عنوة أو لسبب خطير يعقد زواجاً شكلياً. ولكنه في الباطن، أي في قرارة نفسه، يرفض بفعل إرادة واعٍ وحرّ عقد الزواج.

التلجئة الجزئية : تكون عندما يرفض المتعاقدان أو أحدهما إحدى خصائص سرّ الزواج :

         أ) التلجئة في حلية السرّ (الديمومة : L’indissolubilité du sacrement) : وهي فعل إرادة وضعيّ ينفي به المتعاقد السر أو ديمومته، أي لا قابليّته للانحلال، بحيث يحتفظ لنفسه عند إجراء العقد بحقّ طلب الطلاق أو فسخ الشراكة الزوجية بوسيلة قانونية قد تكون أمام القضاء المختصّ أو سواه من المراجع الأخرى التي يلجأ إليها، سعيًا للتخلّص من الرباط الذي يجمعه بالفريق الآخر.

         ب) التلجئة في حلية الأمانة أو الوحدة :

وهي فعل إرادة وضعيّ ينفي به المتعاقد خاصة الأمانة أو الوحدة في الزواج، بحيث يرفض صاحب التلجئة منح الحقّ على جسده لشخص واحد فقط، ويحتفظ بحقه بإقامة أكثر من علاقة جنسيّة مع غير الزوج.

      ج) التلجئة في حلية النسل أو الإنجاب :

وهي فعل ارادة وضعيّ ينفي به الزوجان أو أحدهما إما الأفعال المترتّبة بذاتها لإنجاب البنين أي الفعل الزواجيّ الكامل، وإما مبدأ الإنجاب في حدّ ذاته، بحيث تقطع بطريقة أو بأخرى الأفعال المترتّبة لولادة البنين عن بلوغ مسارها الطبيعيّ المؤدّي الى الإنجاب.

ملاحظة : يعتبر إثبات التلجئة من الأمور الصعبة للغاية، لأسباب ثلاثة :

  • لأنّها ترتبط بالنيّة الداخليّة الباطنيّة.
  • لأنّها تصطدم دائماً بقرينة قانونيّة تقول إنّ رضى النفس الباطنيّ يقدّر مطابقاً للألفاظ والإشارات المستعملة عند الاحتفال بعقد الزواج[3]؛
  • لأن الزواج ينعم برعاية القانون، وعند الشك يعتبر الزواج صحيحًا[4].

يستنتج ممّا تقدّم أنّه لإثبات التلجئة لا بدّ من توفّر ظروف وأسباب وأدلّة وقرائن أهمّها :

  • إقرار صاحب التلجئة ؛
  • السبب الدافع الى التلجئة ؛
  • إقرار الشهود ؛
  • مظاهر النيّة الباطنية والداخلية النافية لديمومة السرّ وعلاماتها ؛
  • القرائن الواقعية (مستندات خطيّة مثلاً) ؛
  • الظروف السابقة والمرافقة واللاّحقة لعقد الزواج.

      وأهمّ شيء لا بدّ منه لإثبات التلجئة هو أن تتولّد لدى القاضي القناعة الأدبيّة La certitude morale في هذه الموضوعات الإنسانيّة التي تتناول أعمق ما يعيشه الانسان.

ب ـ الغلـط فـي الصـفة

جاء تعريف “الغلط” في القانون كما يلي:

القانون 820 :

      البند 1ـ   الغلط في شخص الفريق الآخر يجعل الزواج باطلاً.

      البند 2ـ الغلط في صفةٍ للشخص، وإن كانت سبباً للزواج، لا يبطل الزواج، ما لم تكن الصفة مقصودة قصدًا مباشرًا وجوهريًّا.

الغلط هو إدراك الشيء على غير حقيقته أو بصورة غير صحيحة.

     إنّ النص الفرنسي التالي من كتاب L’engagement des époux للكاتبة Christine Jeegers يعطينا فكرة واضحة عن المعنى الحقيقيّ للغلط في الصفة، والمقصود منه في القانون الجديد :

“Lorsque deux personnes décident de s’unir par les liens du mariage, elles n’ont, dans la majorité des cas, qu’une connaissance sommaire de leur personnalité réciproque ; en fait, elles se découvrent au fur et à mesure de leur union. Les futurs époux n’ont d’ailleurs aucune obligation de se livrer à une analyse approfondie de leur caractère avant le mariage, ce qui pourrait les amener, dans certains cas, à renoncer au mariage projeté.

Il se peut dès lors que l’un des époux soit victime, au moment du mariage, d’une erreur de la personne ou sur une qualité de l’autre conjoint dont la découverte l’empêche de poursuivre la vie commune. Cette erreur est d’ailleurs souvent provoquée par l’autre conjoint qui cache un élément important de sa personnalité ou de son passé. Une telle union doit-elle être maintenue ?

Si le mariage est essentiellement une communauté de vie interpersonnelle, il est logique d’accorder à la personne et aux qualités de l’autre conjoint, une importance primordiale. Ceci ne veut pas dire que toutes les déceptions subjectives concernant les qualités supposées du conjoint doivent être prises en considération, mais il n’est pas possible non plus d’ignorer une erreur à ce point fondamentale qu’elle rend impossible l’instauration de cette communauté de vie.

L’erreur sur une qualité essentielle de la personne du conjoint, qui a pour conséquence la séparation inévitable des époux, doit pouvoir entraîner la nullité du mariage”.

إنّ الغلط في صفة الشخص الذي أطلقه في مفهومه المعاصر القضاء الروتالي، انما يعني الغلط في الصفة الأدبيّة والقانونيّة والاجتماعيّة الملتصقة بالشخص البشريّ وتميّزه عن سواه، ولو شائعة بين أمثاله. والغلط يعني الاعتقاد الثابت والنافي لأيّ ريب من قبل الفريق، ضحية الغلط، وهو أنه يعقد زواجه مع الفريق الآخر، وهو يعتبره بنية رئيسية ومباشرة انه “مهندس أو محام أو طبيب أو طليق من أي وثاق زواجي سابق، ولو مدنياً” ثم تبيّن بعد الزواج أن الفريق الآخر هو انسان تبدّل تماماً وغريب عن الصفة التي اعتقدها الفريق البريء حاصلة عند الفريق الآخر. (مثلاً صفة الإنجاب…)

ولكي نعطي مثلاً واقعيًّا حول ما قلناه بموضوع الغلط في الصفة نورد حيثيّات حكم روتالي صادر خلال سنة 1977 عن المقرّر دي فيليتشه يؤكّد فيه وجوب حصول الغلط في صفـة اجتماعيّة محدّدة :

“عندما تمنح الزوجة رضاها لزوجها على أساس أنّه يتمتع بصفة طبيب الأكيدة في تصوّرها، تكشف بأنّ الرجل أخفى هويّته الحقيقية والصفة القانونيّة والاجتماعيّة والأدبيّة. وما كانت لتقدم على عقد زواجها، فيما لو اكتشفت خداعه.

وبكلّ موضوعيّة، ان شخص الطبيب الحقيقيّ، ولو كانت صفة الطبّ شائعة في أشخاص كثيرين لا تميّز الشخص البشريّ بطريقة فريدة في مجتمعه، هو غير شخص الطبيب المزوِّر. وتاليًا وقع رضاها الزوجيّ خاطئًا، لأنّها منحت رضاها بطريقة مطلقة لفريق آخر غير الشخص الحقيقيّ الذي اعتقدت انها تقترن به. فوقعت ضحيّة الغلط في الصفة الذي أدّى إلى الغلط في الشخص الآخر”.

 

[1] تكوين 1/28.

[2] متى 19/19.

[3] ق. 824، بند 1.

[4] ق. 779.