الأحد الخامس من زمن القيامة: يسوع يسلّم الرعاية لبطرس

القراءات:

أفسس ٢: ١-١٠؛ يوحنا ٢١: ١٥ -١٩

“يا ربّ، لماذا لا أقدر أن أتبعَك الآن؟ سأبذل نفسي فداك!” (يو ١٣: ٣٧) جرى هذا الحوار بين يسوعَ وبطرسَ قُبَيلَ ساعة الآلام، بعد أن رضِيَ التلميذُ أن يغسل المعلّمُ رجلَيه. حينئذٍ، لم يكُنْ هذا التلميذ يدرك بعد ما هو المصير الّذي ارتضى المعلّمُ أن يخوضه، ولم يكُنْ يفهم بعد أنّ الحبّ الّذي بلغَ غايتَه في قلب المعلّم، سيدفع هذا الأخيرَ إلى أن يبذل نفسه على صليبٍ في سبيل أحبّائه.

واليوم، ها إنّنا نسمع يسوعَ يقول لبطرس وبوضوح: “إتبعْني!” (يو ٢١: ١٩) فبينَ هذين المشهدَين مسيرةٌ ربّما هي غير طويلةٍ في الزمن، ولكنّها الأكبر لأنّها طالَتْ أعماقَ سرّ الصليب. أليومَ فهِمَ بطرسُ أنّ اتّباع المعلّم هو مسيرةُ نموٍّ في الحبّ، هذا الحبّ الّذي لا يبلغُ ملأَهُ إلّا عندما يكونُ قد أفرغَ ذاتَه كلَّها. إنّه نكران الذات. وأصعب ما يمكن للذات أن تُنكرَه هو إرادتها: “ستبسط يدَيكَ وآخرُ يشدّ لك حزامك ويذهب بك إلى حيث لا تريد.” (يو ٢١: ١٨)

نعم، لقد سِيقَ يسوع إلى الصليب وأُسلِمَ إلى أيدي البشر، ولكنّ أحدًا لم يقدر أن ينتزع نفسَه منه، بل هو الّذي بذلَها من تلقاء ذاته فداءً عن البشر وحبًّا بهم. وها هو اليوم يقول لبطرس: إِقتَدِ بي واعرَفْ كيف تخسر حياتَك بالحبِّ قبل أن يسلبَها منك الناسُ بشَرِّهم. بهذا أَعرِفُ أنّك تحبّني، وبهذا تحيا الخراف بطمأنينةٍ وسلامٍ تحت أكناف رعايتك.

ونحن اليوم، كم من حدثٍ أليمٍ وكم من واقعٍ مريرٍ يُفرَضُ علينا ويعرقِلُ مسار حياتنا. ولكن، في قلبِ هذا كلّه، يُطلُّ علينا يسوعُ كما أطلَّ على بطرسَ ويدعو كُلًّا منّا قائلًا: إتبعْني واجعَلْ هذا كلَّه فرصةً ذهبيّةً لكي تُثبِتَ أنّك تحبُّني. لتَكُنْ إرادةُ الحبّ الّذي فيك أقوى من مجرى أحداث حياتك، فتُضحي هذه الأخيرة المكان الأسطع الّذي فيه يتمجَّدُ أبي.